السبت، 8 سبتمبر 2012

أركان الجاذبية الشخصية


12
October
ذكر ماسلو في هرمه الشهير أن الحاجات البشرية تبدأ من القاعدة (البحث عن مقومات الحياة الفسيولوجية من مأكل ومشرب وملبس) وتنتهي بقمة الهرم (تحقيق الذات) وقبل تحقيق الذات مباشرة نجد درجة (التقدير الشخصي). وفي الواقع فإن الدرجتين الآخريين في هرم ماسلو متقاربتان إلى أبعد الحدود، فالإنسان بطبعه يحتاج إلى التقدير الشخصي لأن هذا يساهم في تحقيق ذاته.

لذلك فالكثير منا – إن لم يكن جميعنا – يعشق أن يكون محط أنظار من حوله، وليس هذا فحسب، ولكن أن ينال تقديرهم واحترامهم .. فهذا وحده يشعره بأنه شخص مؤثر وفعال وله قيمة في المجتمع.
وحينما نتحدث عن الجاذبية الشخصية، فإننا نتحدث عن موضوع يبحث عنه كل فرد منا في داخله، ويحاول إيجاد طريق له بكافة السبل، فحينما كنا صغار، كنا نفتعل الحركات البهلوانية المميزة، أو التفوق الدراسي الملفت، أو خلق مواقف تفوح منها رائحة الشهامة، حتى نفوز بإعجاب وانبهار من حولنا من المقربين وحتى الغرباء.
وحينما نتحدث عن الجاذبية الشخصية فنحن بصدد التحدث عن 3 عناصر رئيسية من عناصر الجاذبية الشخصية:-
  1. حسن الخلق.
  2. أناقة المظهر.
  3. الثقافة الواسعة.

أولا: حسن الخلق.


يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أحاديث كثيرة يحثنا فيها على حسن الخلق:-
“أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً”
“إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم .. سعوهم بأخلاقكم”
“البِرّ حُسن الخُلُق”
“اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلقٍ حسن”
“ليس المؤمن بطعّان ولا لعّان ولا فاحش ولا بذيء”
“خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره “
“ليس شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من خلقٍ حسن وإن الله يكره الفحش والتفحّش”
ليست هذه كل أحاديث حسن الخلق ولكنها ما استطاعت الذاكرة تجميعه وما استطعت استخلاصه من نتائج البحث. ولو اكتفينا بأحاديث النبيّ – صلى الله عليه وسلم – عن حُسن الخلق لكفانا هذا، ولكني أحب أن أتطرق إلى بعض الأمور البديهية في حياتنا عن الأخلاق.
-    جميع الأديان بلا استثناء – السماوي منها والغير – يحث أتباعه على حسن الخلق وأن هذا هو السبيل القصير للوصول لقلوب الناس.
-         الأخلاق هي الفضيلة المطلوبة التي لا يختلف عليها اثنان في أي مجتمع وأي ثقافة.
-         الإنسان ينال بحُسن خُلقه ما لا يناله بأي سبيل آخر من السبل.
-    حسن الخلق هو السلعة النادرة التي لا تُشترى بالمال ولا تُدرك بالقياس، فالإنسان يستطيع الاستزادة منها إلى ما لا نهاية.
-    حُسن الخلق هو الجمال الذي يزين القبيح، وسوء الخلق هو القبح الذي يبشع الجميل، فكم من شاب وسيم أو فتاة فاتنة، لم ينل من احترام الناس شيء لسوء خلقه، وكم من شاب منفر الوجه، أو فتاة متواضعة الجمال، لاقت من حب الناس واحترامهم الشيء الكثير.
لو أنصفنا الحديث عن حسن الخلق لن يكفينا فيه اليوم بطوله، ولكن أكتفي بهذا القدر من الحديث عنه مقتنعاً بقرب الفكرة إلى قلوبكم جميعاً، فأحسبكم جميعاً – والله حسيبكم ولا أزكي على الله أحداً – أنكم جميعاً ذو أخلاق حسنة.

ثانياً: أناقة المظهر.


أناقة المظهر وجه حضاري يبعث إلى الراحة والثقة في رسم الانطباعات الأولى لدى الناس، ولا سيما عند المناسبات واللقاءات الخاصة، وتستطيع أن تحكم بنفسك على شخصين متماثلين في القدر والمكانة العلمية أحدهما رث الهيئة والثياب والآخر مهندم أنيق المظهر.
ذات مرة كان أحد جنود الشرطة الداخلية في ألمانيا يتجول في شوارعها يحفظ الأمن ويحمي الناس، فلفت انتباهه أحد المتسولين رث الثياب والهيئة، شديد القذارة، غير مريح المنظر، فتوجه ناحيته الجندي، وألقى القبض عليه بدون مناقشة، واقتاده إلى قسم الشرطة.
وما إن دخل الجندي بالمتسول قسم الشرطة، حتى هب الضابط المسئول واقفاً في احترام شديد، وأسرع إلى يد المتسول يتناولها بالمصافحة، وهو يكثر الترحيب به ويدعوه إلى الجلوس وأن يشرب شيئاً ما، والجندي يكاد أن يُجنّ.
وحينما سأل الجندي عن ماهية ذلك الشخص، فوجيء بالضابط يخبره أن هذا الرجل – المتسول رث الثياب – فخر ألمانيا ومبدعها … العبقري (لودفيج فان بيتهوفن) ..!!!
فعلى الرغم من أن (بيتهوفن) أشهر من (هتلر) لديهم إلا أن قذارة ثيابه، وهيئته الرثة قد تركت انطباعاً سيئاً لدى الجندي فلم يتصور يوماً أن يكون هذا المتسول شيئاً ما.
يقول الله تعالى في سورة الأعراف:-
يا أيها الذين آمنوا خذوا زينتكم عند كل مسجد” الآية 31
واستنكر النبي – صلى الله عليه وسلم – على أحد الصحابة مشعث الشعر، معللاً بأنه يشبه الشيطان في هيئته.
كما استنكر النبي على أحد الصحابة، يزهد في الدنيا وفي النساء، وفي الاعتناء بنفسه أن يعتني بنفسه حتى تقبله زوجته.
وكان النبيّ – صلى الله عليه وسلم – له ثوب خاص يقابل به الوفود، وثوب يصلي به الجمعة، وثوب يصلي به العيدين.
وحدث كما تشاء عن الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين في أناقة ثيابهم وحسن مظهرهم أمام العامة .. بل إن الصحابيّ الجليل عبد الله بن مسعود – رضيّ الله عنه – كان يهندم نفسه ويضع العطر قبل الدخول إلى منزله قائلا “أحب أن أتزين لها كما تتزين لي” فكيف حاله مع الناس في الخارج.
أناقة المظهر هو الوجه الثاني لحسن الخلق، فأنت هكذا تحسن خُلقك وتحسن خلقك، وكان من دعاء النبيّ – صلى الله عليه وسلم – حينما ينظر في المرآة “اللهم حسّن خُلُقِي كما حسّنت خلقي”.

ثالثاً: الثقافة الواسعة.


يؤسفني بشدة حينما ألتقي رجلاً أجده حسن المظهر أنيق الملبس يطفو على وجهه دماثة خلقه وحسن أدبه، ولكن حينما أتحدث معه لبرهة أكتشف – متألماً – فراغ عقله، لذلك كان لزاماً علينا أن نكمل أركان الجاذبية الشخصية بعد حسن الخلق وأناقة الملبس بسعة الثقافة.
يُعرّف بعض الناس الثقافة بأنها ما تبقى في ذهن الإنسان بعد أن نسيّ كل شيء، ويجب علينا هنا أن نفرق بين الثقافة المتخصصة والثقافة العامة.
الثقافة المتخصصة: هي أن تكون متخصصاً في مجال ما، فلا تكتفي بما يؤول إليك من معلومات تكتسبها في عملك اليومي، وإنما تنطلق في الحياة لتكتسب المزيد من المعلومات عن طريق البحث في الكتب والمكتبات والإنترنت والمتخصصين الأكثر خبرة، فتكون بهذه الطريقة مثقفاً واسع المعرفة في مجالك بين أقرانك في نفس المجال.
الثقافة العامة: هي أن تعرف الكثير من المعلومات المتفرقة عن مختلف صنوف وأشكال العلم، مما له أو ليس له ارتباط بمهنتك، أو حتى اهتماماتك ولكن يحوز بعضاً من معرفتك بشكل أو بآخر.
ولهذا فإن بعض المتخصصين ينصح بالتثقف على النحو التالي: كن شيئاً في شيء، واعلم شيئاً عن كل شيء.
أي أن تكون متميزاً في مجال ما بعينه، ثم تبحر بعد ذلك لتقطف من كل بستان زهرة، فتكون عالماً متخصصاً بعلم ما، وعالماً سطحياً بمعظم العلوم.
وعن القراءة يقول الأستاذ (العقاد): الجسم يغذيه ما يشتهيه، فاقرأ ما تحب تستفد. وأنا شخصياً أحب هذه النصيحة للغاية، وحينما التزمت بها في حياتي كانت للقراءة طعم مختلف، فقد كنت أعشق قراءة مجلات (ميكي) والروايات البوليسية والمغامرات، ولم يتهمني أحد بقلة الثقافة، وبالمناسبة كان هذا هو (أينشتاين) أيضاً، فلم يُعرف عنه أنه كان يقرأ غير الروايات البوليسية.
ولكن مع مرور الوقت ونضوج الفكر، بدأت تتحول اهتماماتي من مجال لآخر، وبدأت أكبر فكرياً وصرت أعشق القراءة للقراءة وليس لمجال معين، فصرت أشبه بفيروس للكتب يتشمم رائحة الورق وما إن يجدها حتى ينقض عليه ملتهماً إياه أياً كان ما بداخله .. كان هذا أيضاً لمرحلة معينة.
ثم أصبحت في مرحلة أخرى وهي أن أنتقي ما أقرأ، وأقرأه بتمعن وأحاول تلخيصه والتعبير عنه بأسلوبي .. وكانت هذه المرحلة هي بداية مرحلة التدوين.
ربما للجاذبية الشخصية أركان أخرى لم استطع تجميعها هاهنا، ولكن بصفة عامة فإن أركان الجاذبية الشخصية متمثلة في رأيي في حسن الخلق، وأناقة المظهر، والثقافة الواسعة.
 شكر خاص للأستاذة (سوزان رمضان الشوا) فقد أخذت منها عنوان المقال بعناصره الرئيسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق