تُرى ما هو السبب الذي يدفع البعض منا إلى ترك عمله في مكان ما؟! ..
أو السبب الذي يدفعنا إلى التمسك بالعمل في مكان آخر ؟! ..
أو ما هو السبب الذي يجعلنا نبقى في العمل على الرغم من قلة الأجر ؟! ..
أو لماذا نبقى في العمل على الرغم سوء معاملة الإدارة ؟! ..
هذه الأسئلة وأكثر من الأسئلة التي دارت في ذهني قبل أن أكتب هذا المقال، وبحثت عنها على الإنترنت ولدى الشركات المختلفة وسياساتها في التعامل مع موظفيها حتى أصل إلى معاني محددة استطيع أن أصوغها في كلمات معبرة، تصل بالمعنى إلى ذهنك بوضوح.
بعد البحث رأيت أن الشركات تحفظ ولاء الموظفين بأحد ثلاثة أنواع أو اثنان منهما أو جميعها من الولاء. أعرضها على النحو التالي:-
1- الولاء العلمي.
لماذا تعمل في هذه الشركة؟
لكي أتعلم.
هذا هو الأمر باختصار، لو أردت المزيد من التوضيح، فإن الشاب في مقتبل حياته المهنية، وإن كانت معه شهادة فإنه ينقصه الكثير الخبرة الوظيفية والتي لا توفرها الشهادة، والخبرة الوظيفية تأتي بأسرع وأفضل صورها حينما تتمرن على يد أحد الخبراء في هذا المجال.
حينما تخرجت من كلية التجارة فكرت في العمل في أحد مكاتب المحاسبة، وسألت أحد أصدقائي عن هذا المكتب، وسألته عن المرتب، فكانت المفاجأة.
قال لي أن مرتبه 150 جنيه في الشهر .. شعرت بالذهول واعترضت على هذا المرتب، وعلى صديقي لأنه يستمر في العمل في هذا المكتب بهذا المرتب، فأخبرني أنه أفضل حالاً من الكثير من المكاتب التي لا تعطي مرتباً على الإطلاق، مكتفية بكونك تتدرب لديهم، ولسان حالهم يقول: بنعملك ونديلك فلوس.
نفس الأمر بالنسبة للمحامي حديث التخرج، تجده يعمل لدى أحد المحامين الكبار، والطبيب تجده في عيادة/مستشفى الطبيب الكبير يتقاضى أجر زهيد، والمدرس يعمل في المدرسة ويتدرب على التدريس حتى يصل لمستوى معين يسمح له بالبدء في الدروس الخصوصية أو افتتاح مركز تعليمي خاص .. وهكذا.
الشركة/المؤسسة تحافظ على موظفها في هذه المرحلة بالولاء العلمي فقط .. الموظف يتمسك ببقاؤه في المؤسسة لأغراض علمية فقط، هو يصبر لينال القسط الوافر من التعليم الذي يساعده على السير في هذا المجال بعد فترة من الزمن.
أصحاب الولاء العلمي عادة يتركون المكان الذي تعلموا فيه إلا إذا وجدوا فرصة طيبة فيه موازية للفرص المماثلة في سوق العمل، أو يتركونه لمكان أفضل ولديهم من الخبرة ما يسمح لهم بمرتب عالي.
2- الولاء المادي.
الولاء المادي هو حلم شريحة عريضة من المصريين في سوق العمل .. أن يعمل المرء مقابل مرتب كبير يسمح له بالعيش في حياة مستقرة.
الشركة صاحبة الولاء المادي تعطيك المرتب المتميز مقابل عملك الملتزم، فتأمرك بالحضور في أوقات العمل المحددة، وتخصم من مرتبك بحسم في حالة التأخير، وتأمرك بأن تقوم بالمهمة المحددة، وتخصم من مرتبك في حالة التقصير، وتأمرك بأن تلتزم بأهداف العمل ومتطلباته، وتخصم من مرتبك في حالة الاستهتار.
غالباً تكون هذه المعاملة خالية من المشاعر، (“معاملة إنجليزي” كما يقول المصريين في لغتهم العامية) تعتمد اعتماد كلي على الإشباع المادي الذي توفره لك، وعلى أساسه تفرض عليك من الالتزامات والواجبات ما يوافي هذا المرتب. وفي حالة التقصير تعاقبك بكل قسوة وبدون مشاعر، وفي حالة استمرار التقصير تقوم بفصلك من العمل بدون أي تردد.
في هذا النوع من الشركات قد نجد الموظف يشعر بالضجر أو الملل والإرهاق، ويظل يلازمه هذا الإحساس في بعض الأوقات، ورغم ذلك يرفض ترك هذه الوظيفة لما توفره له من إشباع مادي، يفي باحتياجاته.
فصاحب العمل ليس له شأن بمشاكلك الشخصية ولا العاطفية، وإنما هو ينظر إلى أنه هيء وظيفة متميزة بمرتب متميز، بشروط متميزة، وعليه فهو يطلب حقه – و هو حقه بالفعل – في أن تقوم بأداء ما هو مطلوب منك دون تقصير، وأيضاً يكافئك في حالة التميز كما يعاقبك في حالة التقصير.
3- الولاء العاطفي.
هو أشهر أنواع الولاء في البيئة العربية، وخاصة عند المصريين .. (بحكم كوني مصري).
وهو أن يقوم صاحب العمل بمراعاة النواحي الشخصية والعاطفية في تعامله مع موظفيه، وقد يكون يقدم هذا النوع تبعاً لشخصيته أو يحاول أن يجبر كسر المرتب المنخفض الذي يعطيه لموظفيه.
فيوفر لهم بيئة عمل بسيطة ودودة، خالية من التكلف والحزم، فلا يعاقب على التأخير عقاب حازم، ويراعي الموظف في حياته وظروفه الشخصية، وقد يقف بجانبه وقفة شخصية في حالة الزواج والإنجاب والمرض، ويقوم بالتجاوز عن الأخطاء، ويتنازل عن حقه في بعض الأمور بصورة ودية، ولا يلزم الموظف بشكل قطعي في أداء مهمة ما، ولا يهدده بالفصل، ولا يعده في نفس الوقت بزيادة في الأجر، وتكون خانة المرتب في العقد – إن كان يوجد عقد – هلامية غير مرتبطة بالواقع، ويطمئنك بأن هذا على الورق فحسب، لأجل التأمينات والضرائب .. الخ.
ويكون الواقع مختلف في المرتب، ولكن ليس بصورة جوهرية تصنع فارقاً في حياة الموظف .. ولكننا نجد هذا الموظف – العاطفي – مرتبط بالعمل أكثر من غيره ويرفض تركه بدعوى راحته النفسية، وانسجامه مع زملائه في العمل، وغالبية هذا النوع من الموظفين يصنع مجتمع محدود من العلاقات في بيئة العمل، ويحيا على الروابط العاطفية المبنية في هذا المجتمع، يرفض مغادرة منطقة الراحة إلى آفاق أوسع خوفاً من فقده انسجامه العاطفي وراحته النفسية.
على الرغم من لطافة هذا النوع من العمل وتركه أثر طيب في النفس، ولكن بلغة عالم الأعمال، هو عطلة كبيرة للموظف في حياته و الامتيازات التي قد يحصل عليها بتركه هذا المكان.
لذلك يعتبر الولاء العاطفي أشبه بالسم في العسل، تأكله وتستمتع به ولا تشعر به إلى بعد فترة طويلة من الزمن.
هذه هي أنواع الولاء في الشركات المختلفة، قد تجد بعض الشركات تلتزم بنوع واحد فقط من هذه الأنواع .. وقد تجد شركة تقدم جميع أنواع هذا الولاء في باقة واحدة، مثل الشركات الكبرى على مستوى العالم، وعلى رأسهم جوجل .. وقد تجد شركة تستخدم مزيجاً بين نوعين من هذا الولاء للحفاظ على موظفيها.
الخلاصة ..
إن لم تجد في وظيفتك الحالية امتياز علمي، أو مادي، أو عاطفي، فالأولى لك أن تتركها وتبحث عن غيرها بدون تردد. فلو كان صاحب العمل لا يعطيك علماً، ولا يغدق عليك بالمال، ولا يراعيك في النواحي العاطفية .. فكيف تبقى معه بعد كل هذا؟؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق